أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

عسكرة الفضاء:

أبعاد نجاح موسكو في إسقاط قمر اصطناعي

06 ديسمبر، 2021


أدانت الولايات المتحدة الأمريكية بشدّة "التصرّف الخطر" الذي أقدمت عليه روسيا في 15 نوفمبر 2021 باختبارها صاروخاً مضاداً للأقمار الصناعية، والتي قصفت من خلاله أحد أقمارها الاصطناعية القديمة. وأسفرت هذه التجربة عن حطام قد يشكل تهديداً لسلامة الأجسام الفضائية الأخرى. 

ودفعت التجربة الروسية روّاد الفضاء السبعة الموجودين على متن محطة الفضاء الدولية، وهم أربعة أمريكيين وألماني وروسيان، للالتجاء إلى سفنهم الملتحمة بالمحطّة استعداداً لإخلاء طارئ محتمل للمحطة الفضائية. 

مواقف غربية ناقدة 

تُعد التجربة الصاروخية الروسية أحد فصول الصراع الروسي – الغربي، خاصة أنه كان من الواضح أن التجربة حدثت بشكل مفاجئ من دون دراية من قبل الوكالات الاستخباراتية الغربية، مما جعلها محل انتقادات لاذعة من الدول الغربية، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:  

1- إدانة الولايات المتحدة للتجربة الروسية: اعتبر وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، الضربة الصاروخية الروسية بأنها "نفذت بتهور"، وأنها "خلفت أكثر من 1500 قطعة من الحطام المداري، ومن المرجح أن يولد مئات الآلاف من القطع المدارية الأصغر حجماً". كما توقع أن تزيد هذه الضربة من خطورة وصول رواد الفضاء إلى المحطة الدولية، بجانب أنشطة الرحلات الفضائية البشرية الأخرى.

وقدرت وكالة ناسا الأمريكية أن "الحطام سيبقى في المدار لسنوات وربما لعقود، مما يشكل خطراً كبيراً على الطاقم في محطة الفضاء الدولية وأنشطة الرحلات الفضائية البشرية الأخرى".

2- مطالبة أوروبية بالاستخدام السلمي للفضاء: تشابهت مواقف الدول الغربية من الموقف الأمريكي، فقد نددت لندن بهذه التجربة، واعتبر وزير الدفاع البريطاني، بن والاس، أن التجربة الروسية تُظهر تجاهلاً لأمن الفضاء وسلامته واستدامته، ووصفت برلين التجربة الروسية بأنه "تصعيد غير مسؤول"، كما أشارت أنه "ينطوي على مخاطر عالية، وسوء تقدير وتصعيد". وطالبت الخارجية الألمانية بضرورة موافقة المجتمع الدولي على قواعد الاستخدام السلمي والمستدام للفضاء، في حين اتهمت وزيرة الجيوش الفرنسية موسكو بـــ "تخريب الفضاء"، محذرة على ان ما حدث يثير تلوثاً ويشكل خطراً على رواد الفضاء والأقمار الصناعية.

3- مخاوف الناتو من القدرات العسكرية الروسية: ندد أمين عام حلف الناتو، ينس ستولتنبرج، بالتجربة الروسية، واصفاً إياها بــ "العمل المتهور"، وأضاف أن هذه الخطوة مثيرة للقلق؛ لأنها أظهرت أن روسيا أصبحت قادرة على تطوير أسلحة جديدة، يمكنها أن تدمر أنظمة اتصالات وملاحة أرضية أو أنظمة إنذار مضادة للصواريخ في الفضاء"، وهو ما يفسر أسباب الغضب الغربي الحقيقي من التجربة الروسية.

4- تأكيد موسكو تفوقها ورفض النفاق الغربي: أكدت وزارة الدفاع الروسية أنها أجرت تجربة ناجحة في الفضاء، وُصفت من قبل وزير الدفاع الروسي بأنها "جوهرة"، كما أعلنت الوزارة في بيان لها عن رفضها مزاعم الخارجية الأمريكية والبنتاجون، واصفة الاتهامات الأمريكية بـــ "الخبيثة" بشأن مخاطر الحطام، حيث أشارت وزارة الدفاع الروسية إلى أن واشنطن على يقين بأن أجزاء الحطام لن تشكل أي خطر أو تهديد.

دلالات التجربة الروسية 

لا تعد التجربة الروسية الأولى من نوعها على الإطلاق، فقد سبق أن أجرت ثلاث دول، هي الولايات المتحدة والصين والهند، مثل هذه التجارب، مستهدفة بعض الأقمار الصناعية، غير أن التجربة الروسية تنذر بالتحول إلى ما يُسمى بــ "سباق تسلح في الفضاء"، وتتمثل أبرز تداعيات التجربة الروسية في التالي: 

1- تهديد سلامة الأقمار الصناعية للدول: يُشكل الحطام الفضائي الناتج عن الاختبار الروسي المضاد للأقمار الاصطناعية تهديداً محتملاً لسلامة الأقمار الصناعية في المدارات الأرضية المنخفضة (Low Earth Orbit)، وبالتالي، سيزيد ذلك من "مناورات التجنب" (Avoidance Maneuvers) التي يقوم بها مشغلو الأقمار الصناعية في جميع أنحاء العالم في السنوات القليلة المقبلة، وهي مناورات، يتعين على الدول التي تمتلك أقماراً صناعية القيام بها، لتفادي اصطدام الأقمار النشطة بالحطام والشظايا التي تنتج عن مثل هذه التجارب.

2- تغير محتمل للعقيدة الروسية الفضائية: يرى الخبراء الدوليون أن التجربة الصاروخية الروسية تعكس تحولاً في العقيدة الروسية؛ حيث كانت موسكو دائماً تنتقد واشنطن لتجاهلها اقتراحات روسية وصينية لوضع اتفاق دولي ملزم لمنع حدوث سباق تسلح في الفضاء، أو بعبارة أخرى، كانت موسكو تدعو لتبني معاهدة لحظر نشر الأسلحة في الفضاء، بل وتقييد استخدامه في غير الأغراض غير السلمية، غير أن تجربتها الأخيرة، تعكس حقيقة أنها ملت هذه المحاولات، واتجهت عوضاً عن ذلك لامتلاك قدرات تؤهلها لشن مثل هذه الحروب مستقبلاً، إن دعت الحاجة لذلك.

وقد بررت ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم الخارجية الروسية، الاختبار بأنه جزء من "خطة لتعزيز القدرات الدفاعية الروسية لمنع التهديد المفاجئ للأمن القومي الروسي في الفضاء وعلى الأرض من خلال تكنولوجيا الفضاء الحالية والمستقبلية للدول الأخرى"، في إشارة للولايات المتحدة، وتبنيها استراتيجية الفضاء الدفاعية لعام 2020 والاختبارات الأمريكية على أسلحة مضادة للأقمار الاصطناعية بين ثمانينيات القرن العشرين و2008، فضلاً عن اتهام موسكو واشنطن بأن مركبة الاختبار المدارية "إكس – 37 بي" (X-37B) يمكن أن تستخدم أسلحة في الفضاء. كما دعت زاخاروفا إلى حظر جميع الأسلحة في الفضاء الخارجي، واقترحت مشروع المعاهدة الروسية – الصينية كأساس لمنع نشر الأسلحة في الفضاء الخارجي والتهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد الأجسام الموجودة في الفضاء الخارجي.

3- نجاح موسكو في تحييد قدرات واشنطن الفضائية: أعلنت روسيا، على لسان مصدر مسؤول من المجمع الصناعي العسكري الروسي، أن منظومة "إس – 550" الجديدة المضادة للطائرات قادرة على إسقاط المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية "إكس – 37 بي"، وهي مركبة فضائية غير مأهولة يعتقد أنها سلاح أمريكي سري، وذلك بعد التجربة الصاروخية الروسية الأخيرة وإدانة واشنطن لها. 

ويرى الخبراء أن هذا التصريح الروسي يحمل رسائل لواشنطن، مفاداها أن موسكو تمكنت من التفوق على الولايات المتحدة في مجال امتلاك صواريخ أرضية قادرة على إسقاط أجسام فضائية، وبالتالي، تهديد الأهداف الفضائية الباليستية والمدارية الأمريكية بواسطة نظام الدفاع الصاروخي "إس – 550". ونظراً لأن كل الأقمار الاصطناعية تقدم خدمات حيوية للجيوش، مثل تحديد المواقع والملاحة، فإن التهديد الروسي يعد تهديداً بالغاً. 

4- استمرار الجهود الأمريكية في عسكرة الفضاء: وجهت واشنطن في 2021 اتهامات ضد روسيا والصين بعسكرة الفضاء، وذلك على الرغم من أنها تمتلك هي الأخرى برنامجاً سرياً لعسكرة الفضاء. فقد نشرت وزارة الدفاع الأمريكية في يونيو الماضي وثيقة استراتيجية تخص الفضاء، وجاء فيها أن الصين وروسيا أصبحتا تمثلان أكبر تهديد استراتيجي للولايات المتحدة بسبب تطويرهما واختبارهما ونشرهما أسلحة في الفضاء، وكذلك عقيدتهما العسكرية، التي باتت ترى أن الفضاء ساحة جديدة للصراع الدولي.

وفي السياق نفسه، أعلن الجنرال، جون ريموند، رئيس القيادة الفضائية الأمريكية في سبتمبر الماضي عن وجود قمر اصطناعي روسي يحوي أسلحة على أحد المدارات في الفضاء، يمكن أن يكون مصدر تدمير للأقمار الاصطناعية الأمريكية.

واعتمد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في عام 2020 تمويل هيئة عسكرية جديدة مختصة بالفضاء تحمل اسم "قوة الفضاء الأمريكية"، وقد وصف ترامب آنذاك الفضاء باعتباره أحدث ساحة للحرب في العالم، ويبدو أن إدارة الرئيس جوزيف بايدن الحالية تسير على نهج ترامب، إيماناً منها بأن احتمالية الصراعات والحروب الفضائية أصبحت في ازدياد.

5- جدية التهديدات النابعة من "حرب النجوم": على الرغم من أن الإدارة الأمريكية لم توضح ما إذا كانت واشنطن ستتخذ إجراءات ضدّ روسيا بسبب إجراء هذه التجربة الصاروخية، فإن الوقائع الحالية، وتزايد نقاط التوتر بين الدولتين، ولاسيما فيما يتعلق بملف الصراع الأوكراني وأمن الطاقة الأوروبي، تعكس انزلاق النظام الدولي نحو حرب باردة جديدة. 

وقد يكون الفضاء أحد أهم ساحات هذه الحرب الجديدة، كما كان في نسخة الحرب الباردة السابقة، والتي شهدت ما يُعرف "مبادرة الدفاع الاستراتيجي لعسكرة الفضاء" الأمريكية، أو ما يعرف إعلامياً بــ "حرب النجوم"، والتي اعتمدها الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان، والتي كانت أساسها عسكرة الفضاء بحجة حماية الولايات المتحدة، فضلاً عن إنهاك الاتحاد السوفييتي عبر إدخاله في سباق تسلح تسبب في انهياره اقتصادياً.  

وفي الختام، يمكن القول إن الفضاء أصبح، بما لا يدع مجالاً للشك، أحد مجالات الصراع بين الدول الكبرى. وفي حين أن الصين وروسيا والولايات المتحدة كانت في السابق تقوم بتطوير واختبار قدرات جديدة مثيرة للجدل لشن حرب في الفضاء، فإنهم جميعاً كانوا ينكرون ذلك، غير أن التجربة الروسية الأخيرة أثبتت نجاح موسكو في تطوير منظومة دفاعها الجوي لتشمل صواريخ قادرة على إسقاط الأقمار الاصطناعية.